هل تعرفون من أين اكتَسب الأديب الشّهير "نجيب محفوظ" اسمه؟ جواب هذا السّؤال يكمُن في هذا المتحف الطبّيّ المصريّ!

شاركوا المقال

"ذات يوم، طلبَ منّي طبيب أعرِفُه مُساعدَته في ولادة صعبة... وعندما ساءَت حالَة الجنين وحالَة الأمّ، اقترحتُ أخذهما إلى المُستشفى أو استدعاء جرّاح مُختصّ، لأتفاجئ بأنّ لا وجود لطبيب ولادة في الإسكندريّة من الأصل!"

تُلخّص هذه الكلمات الصّادمة تجربة حزينة لطبيب مصريّ يُدعي "نجيب محفوظ"، توفيَت إثرها المريضة وطِفلها نتيجة نقص الأطبّاء المُختصّين...

ولأنّ بعض النّهايات تحملُ بدايات جديدة، فقد كانت هذه الحادثة نقطة بداية انتَهت بتأسيس متحفٍ طبيّ رائع هو الأوّل من نوعه في مصر، لا بل في الشّرق الأوسط!

في مقال اليوم، سنزور معًا "متحف نجيب باشا محفوظ للأجنّة"، ونُلقي نظرة على قصّته المُؤثّرة وأهميّته العلميّة الباهرة. لِنبدأ الآن.

ما هو متحف نجيب باشا محفوظ للأجنّة؟

إنّ متحف نجيب باشا محفوظ للأجنّة هو متحف طبّيّ يقعُ في كُلّيّة الطّب بالقاهرة، المعروفة باسم "القصر العَيني".

افتُتِح هذا المتحف لأوّل مرّة في ثلاثينات القرن الماضي، وما يُميّزه عن باقي المتاحف الكلاسيكيّة هو أنّه يحتوي على مجموعة فريدة من عيّنات الأجنّة والأمراض النّسائيّة النّادرة الّتي يفوقُ عدَدُها الـ 1300 عيّنة!

إنّ هذا المَتحف الغريب هو أكبر متحفٍ والأوّل من نوعه في الشّرق الأوسط، ولا مثيلَ له في العالم سوى في بريطانيا وهولندا.

يقفُ وراء هذا المَتحف عالم وطبيب مصريّ مُخضرَم، كان العاِمل المُنقِذ في الكثير من قصص الولادة في القرن الماضي، فتَرَك بصمتهُ في عالم الطبّ والأمراض النّسائيّة إلى يومِنا هذا. فلنتعرّف عليه...

من هو نجيب باشا محفوظ، الطّبيب الّذي لا يُنسى؟

إنّهُ لأمرٌ ضروريّ أن نتعرّف أوّلًا على الطّبيب النّبيل الّذي ساعدَ آلاف النّساء وأطفالهُنّ قبل أن يصِلَ إلى إنشاء متحفٍ غنيّ يحمِلُ اسمه!

يُعدّ الطّبيب نجيب محفوظ الأبَ الروحيّ لمجال أمراض النّساء والولادة في مِصر، فقد كان أوّل طبيب مُتخصّص في مصر والشّرق الأوسط.

بدأت رحلة محفوظ بتأسيسه عيادة للأطفال حديثي الولادة في القاهرة عام 1927 وتوسّعت العيادة تدريجيّا بعد أن لاقَت نجاحًا واسعًا.

لفت انتباه محفوظ غياب هذه الأقسام في المُستشفيات. ومَع مرّ السّنين واكتسابه خبرة من آلاف عمليّات الولادة الصّعبة الّتي أجراها في المنازل، أنشأ محفوظ قسمَ رعاية الأطفال في مُستشفى القصر العَيني، وكان الأوّل من نوعه في البلاد.

بفضلِ جهوده الدّؤوبة، ألّف كتابَين في هذا المجال، وتتَلمَذت على يده أكثر من ألف مُمرّضة وقابلة، وفي النّهاية أسّسَ متحف الأجنّة القيّم الّذي نتحدّث عنه اليوم.

متحفٌ ذو بَصمة طبيّة خالدة

أبى محفوظ أن تُختَتَم هذه المسيرة المُشرّفة دون أن تُتوّج بمتحفٍ يحفظ هذا العمل الاستثنائيّ.

فخلال سنوات عَمَله، جمع محفوظ حوالى 1350 عيّنة من أندر العيّنات في مجال أمراض النّساء والولادة والأجنّة.

عَرضَ محفوظ العيّنات في هذا المتحفِ التّاريخيّ وقدّمهُ كهديّة لكُليّة طبّ القصر العيني، ولكنّ المتحف سُمّي لاحقًا باسمه تقديرًا لإنقاذه حياة الآلاف.

يحتوي المتحف بشكلٍ أساسيّ على هذه العيّنات النّادرة الّتي تتّخذُ شكل أجنّة مُحنّطة، مُعظمها مُشوّه. وقد تبدو للبعضِ مُخيفة أو غير مُريحة للنّظر، إلّا أنّ قيمَتها العلميّة ساهمَت في تطوّر طبّ النّساء والتوليد بشكل هائل.

يضمّ المتحف أيضًا بعضَ اللّوحات التّعليميّة والمعدّات الطّبيّة المُستخدمة في عمليّات الولادة.

لم تُجمع هذه الأجنّة المُحنّطة بهدف حِفظِها فحسب، بل هي الآن مرجعٌ لطُلّاب الطّبّ والباحثين والمُتخصّصين في علم الأجنّة وأمراض النساء.

وفي السّنوات الأخيرة الماضية، بُذلت المجهودات لتوسيع نطاقِ الإفادة العلميّة الّتي يُؤمّنها المتحف، إذ تمّ اقتراحُ تزويده بالتكنولوجيا المُتطوّرة لمُواكبة العمليّة التعليميّة الحديثة وتحسينها، إضافة إلى توظيف المعلومات المُكتسبة في النّهوض بصحّة المرأة وزيادة رفاهِها.

فهل تتخيّلون قيمة النّهضة الطّبيّة والنّقلة النوعيّة الّتي شهدَتها مصر على يد هذا الطّبيب وبفضل المتحف الّذي ترَكَه للعالم بعد موتِه؟

شغفٌ لم يأتِ من عَبَث!

إنّ اللافت في قصّة محفوظ هو أنّه عَمل من أجل أن لا يتكرّر مصيرُه الّذي كاد أن يلقاهُ في لحظات حياتِه الأولى.

ففي الواقع، كانت ولادة الطّبيب محفوظ نفسه مُعقّدة وصعبة واستمرّت لثلاثةِ أيّام، حتّى أنّهُ وُلِد في حالة اختناق كانت ستودي بحياتِه.

ولكنّ مُعجزة حدَثت واستطاعَ محفوظ الطّفل استعادة أنفاسِه، بعدَ أن فَعلت القابلة المُساعدة ما بوسعِها لإنعاشه، فكانت تلك الولادة العسيرة الشّعلة الّتي أنارت دربَ محفوظ وأوصلته إلى الشّغَف بهذا النّوع من العُلوم!

سمعنا اسم هذا الطّبيب من قبل، أينَ يا تُرى؟

هل ذكّرَكُم اسم هذا الطّبيب بشخصيّة تاريخيّة أُخرى؟ نعم، لم تَخُنكُم الذّاكرة!

ففي عام 1911، كانت إحدى السيّدات المصريّات تعيش مخاضًا عسيرًا، فاستُدعيّ الطّبيب محفوظ لمُساعدَتها، وكان مولودُها صبيًّا.

كعُربون شكرٍ للطّبيب، سُمّي الطّفل باسمِه، وكَبر هذا الطّفل ليُصبِح الرّوائيّ والكاتب المصري الشّهير نجيب المحفوظ، وهو أوّل عربيّ حصل على جائزة نوبل للآداب!

في نهاية مقال اليوم، نأمل أن يكون قد استمتعتُم واستفدتُّم من رحلتنا الافتراضيّة إلى هذا المتحف الغريب. شاركونا آرائَكُم حول هذا المعلم وقصّته المُثيرة للاهتمام في التّعليقات أدناه.

شاركوا المقال

كيف وجدتم مقالنا؟

[WPAC_LIKE_SYSTEM]

أكثر المقالات قراءة