
شاركوا المقال
تحتَ نجوم باريس المُتلألئة، وإطلالة على نهر السّين وكاتدائيّة نوتردام التّاريخيّة، تقعُ مكتبة صغيرة مُفعمة بالحكايا لا يودّ زُوّار مدينة النّور تفويتَها!
إنّ باريس مدينة مُزدحمة، يضيعُ المرء في سُرعة التغيّر فيها وكثافة السُيّاح المُتحمّسين لزيارة جميع معالِمها. ووسط هذا الصّخب، يحتاجُ بعض مُحبّي العاصمة إلى زيارة أماكنَ تُعيد إليهم توازنَ الهدوء وصفاء البال. فهل هُناك مكان لأخذ قسط من الرّاحة أفضلُ من مكتبة دافئة في قلب باريس؟
في هذا المقال، سوف نصطِحبُكم إلى أحد أعرق الوجهات الأدبيّة التّاريخيّة في أوروبا: مكتبة "شكسبير آند كو" Shakespeare and Co. الجميلة!
ما هي مكتبة "شكسبير آند كو"؟
إنّ مكتبة "شكسبير آند كو" هي أحد أهمّ المعالم الأدبيّة في العاصمة الفرنسيّة باريس، وهي متجرُ كُتُب ساحر يتضّمن إجمالًا كُتبًا بأعداد ضخمة وباللّغة الإنكليزيّة.
بما أنّ توصيات السُيّاح تُشجّع على عدم تفويت هذه المكتبة المُزدحمة، دعونا نطّلع على شكلها الدّاخليّ ونتعرّف على قصّتها الّتي أوصلتها إلى أن تكون مصيدة السُيّاح وشعارًا لمدينة النّور الرومانسيّة.

افتتاح، ثمّ إغلاق قسريّ، ثم افتتاح...
لدى مكتبة "شكسبير آند كو" قصّة تاريخيّة مُثيرة للاهتمام، تُعطي أملًا بأنّه ليس هناك مُستحيل!
بدأت هذه الحكاية في عام 1919، عندما بنَت امرأة أميركيّة تُدعى "سيلفيا بيتش" مكتبة في موقع آخر وأطلقت عليها اسم "شكسبير آند كو". ومع الأيّام، ازدهرَت هذه المكتبة وأصبحت موطنًا لعمالقة أدب القرن العشرين أمثال "إرنست همينغوي" و"ف. سكوت فيتزجيرالد" وغيرهما الكثير.
ولكن خلال الحرب العالميّة الثّانية، رزحَت باريس تحت الاحتلال الألمانيّ النّازي، فأغلقت المكتبة أبوابَها. وظنّ مُحبّو الكُتب أنّ هذه الحادثة كانت قد قضَت على مُستقبل المكتبة إلى الأبد.
وفي هذه الأثناء، كان رجلٌ أميركيّ يُدعى "جورج ويتمان" يدرُس في جامعة السّوربون الفرنسيّة فاستقرّ هُناك، وهو قارئٌ نَهِم يعشقُ تجميع الكُتب.
وخلال سنواتِه الأولى في العاصمة، التقى "جورج ويتمان" بـ"سيلفيا بيتش" وأثارت قصّتها اهتمامهُ.
وعندما حصل "ويتمان" على الميراث في عام 1951، اشترى عقارًا وافتتح مكتبَتهُ الخاصّة، وأطلق عليها اسم "لو ميسترال".
وبعد وفاة "سيلفيا" بعامَين، أي في عام 1964، غيّر "ويتمان" اسم المكتبة إلى "شكسبير آند كو"، أي الاسم الذي اختارَتهُ لمكتبَتِها، وذلك من أجل حفظ ذكراها إلى الأبد.
مكتبة تُمجّد التّفاصيل
إنّ مكتبة "شكسبير آند كو" غارقة في التّاريخ، ويبدو ذلك جليًّا من شكل مبناها الّذي يعود تَصميمه إلى القرن السّابع عشر.
إنّ المكتبة مُكتظّة بالكُتب الإنكليزيّة إلى أبعد الحدود، وهي مُكدّسة على الأرض بعشوائيّة غريبة، كما أنّ بعضَها موضوعٌ في فجوات محفورة على الرّفوف أو داخل درجات السلالِم.
وعلى جُدرانِ المكتبة رموز ومُلصقات فنّيّة، وعلامات فلسفيّة، كما توجد هُناك صورٌ بالأبيض والأسود تُخلّد ذكريات مؤُسّسي المكتبة وأعظم رُوّادها من الأدباء والمُفكّرين.
كما تحتوي المكتبة على بيانو في الطّابق العُلويّ، وعلى كثير من التّفاصيل المُميّزة كالمزهريّات والوسائد المُريحة، وأهمّها المُلاحظات الصّغيرة الّتي ترّكها الزُوّار على مرّ السّنين.
ولعلّ أجمل ما في مكتبة "شكسبير آند كو" هو إطلالتها على كاتدرائيّة نوتردام التّاريخيّة، إذْ تمنح زُوّارها شعورًا بأنّهم في عالم "هاري بوتر" السّحريّ!
ملاذٌ لعُشّاق الأدب
حرص "ويتمان" على جعل المكتبة مركزًا يتهافَتُ عليه الكُتّاب ومُحبّو القراءة، وهي صرحٌ أدبيّ يعمرُ بذكرِ عمالقة الأدب ومُناقشة أفكارِهم وكتاباتِهم.
يستضيف طابق المكتبة العُلويّ أحداثًا أدبيّة أسبوعيّة، كمُحادثات حول الكُتُب وورشَ عمل ومساحات للكِتابة، وهذا يُفسح مجالًا واسعًا لالتقاء من يجمعهُم حبّ الأدب.
وما يجعل هذه المكتبة مُميّزة أكثر وأكثر هو ظهورُها في أفلام السّينما المحبوبة، نذكرُ منها الفيلميَن الرّومنسيّيَن "قبل الغروب" و"مُنتصف اللّيل في باريس".
ليلة مجّانيّة داخل "شكسبير آند كو"؟
هل سبق أن تواجدتُم في مكانِكُم المُفضّل وقُلتُم: "لا أريد أن أُبارحَه أبدًا، سأنام هُنا"؟
إن كُنتم كُتّابًا طموحين، تمنحُكم مكتبة "شكسبير آند كو" فرصة النّوم داخلها مجّانًا، ولكن بشروط مُحدّدة.
ففي عهد "جورج ويتمان"، اشترطَ على هؤلاء الأشخاص التّعهّد بقراءة كتاب كُلّ يوم، وأن يكتبوا له سيرة ذاتيّة من صفحة واحِدة، وأن يُساعدوا عُمّال المكتبة لمدّة بضع ساعات.
وبهذه الطّريقة، أقام في المكتبة حوالى 30 ألف شخصٍ على مرّ السّنين، وأطلق عليهم "ويتمان" اسمًا غريبًا هو الـ"Tumbleweeds" أي "الأعشاب اليابسة".
فإذا أردتُم أن تكونوا أحد هذه "الأعشاب" نفّذوا شُروط "ويتمان" واحظوْا بليلة مجانيّة بين الكُتب!
سأتوجّه إلى هذه المكتبة قريبًا، أيّة نصائح؟
بعد كُلّ هذا الوصف، لا شكّ أنّكم مُتحمّسون لزيارة مكتبة "شكسبير آند كو". إليكُم بعض المعلومات الضّروريّة:
- إذا كُنتم لا ترغبون في قضاء كامل وقتكُم داخل المكتبة، يُمكنكم الجلوس في المقهى التّابع لها والاستمتاع بالأطعمة الخفيفة والنّباتيّة والمشروبات اللّذيذة.
- إذا أردتُم حضور جلسة لقراءات الكُتب، احرصوا على الوصول باكرًا لأنّ سعة المكان ليست كبيرة.
- تحقٌقوا من جدول المكتبة المُقرّر قبل زيارَتِكُم للتأكّد من عدم وجود تغيير فُجائيّ.
شكرًا لكُم على مُتابعة مقالاتِنا! هل أحببتم المعلم الّذي تحدّثنا عنه اليوم؟ وهل تنوون زيارته عند تواجُدِكُم في باريس؟ شاركوا معنا خُطَطكُم وآراءكُم!
هذا المقال بالتعاون مع صفحتنا الأخت موقع حزر فزر ، وجهتكم للطرائف والترفيه
شاركوا المقال
كيف وجدتم مقالنا؟