
شاركوا المقال
مُستعدّون لاكتشاف العلاقة الغريبة بين وادٍ فيروزيّ مُختبئ ومعملٍ للطّاقة الكهرومائيّة في أيسلندا؟
لا ينفكّ المعنيّون والنّاشطون البيئيّون يرفعون الصّوت في مُواجهة تدخّل الإنسان بطبيعتِنا الأم، وذلك للضّرر الكبير الذي يُلحقه التطوّر على مناظرِها ومواقعها الخلّابة.
إلّا أنّه، وفي واحدة من المرّات النّادرة، خدم تدخّل الإنسان السّياحة الطّبيعيّة، وكشفَ لنا عن معلم لم نكُن لنعرفَ بوجودِه إذا ظلّ على حالِه!
دعونا نبدأ معكُم رحلتنا إلى وادي "ستولاجيل" في أيسلندا الذي كشف لنا عن جماله منذ بضع سنين فقط.

ما هو "وادي ستولاجيل"؟
إنّ وادي "ستولاجيل" هي موقع طبيعيّ حديث الاكتشاف، ويقعُ في هضاب شرق أيسلندا على بُعد 225 كيلومترًا عن عاصمة البلاد، ريكيافيك.
يُعد وادي ستولاجيل أحد أكثر التّكوينات الصّخريّة البازلتيّة روعة في العالم، فهو مُوطن لأبراج بازلتيّة شاهقة، بجانِبها نهر جليديّ فيروزيّ غزير شقّ طريقه من المُرتفعات لعدّة قرون.
من أين أتَت أعمدة البازلت؟
علميًّا، تتشكّل أعمدة البازلت بعد الإنفجارات البُركانيّة. وبعد أن تبرُد الحُمم، تتقلّص إلى صخورٍ بمُساعدة قوّة دفع النّهر وتتغيّر تركيبتُها الكيميائيّة. ومع الوقت، تتشقّق هذه الصّخور وتُصبح سُداسيّة الشّكل.
تستغرق هذه العمليّة المُعقّدة ملايين السّنين، فلماذا لم ينتبه لهذه الأعمدة أحد إلّا مؤخّرًا؟

جفّ النّهر، فانكشف الوادي!
في الواقع، يعود الفضل في اكتشاف وادي "ستولاجيل" إلى تدخّل الإنسان في الطّبيعة الأمّ! إليكُم الحكاية...
لعدّة قرون، تدفّق في تلك المنطقة نهر "جوكلا"، أحد أكبر الأنهار الجليديّة في أيسلندا وأقواها. كانت قوّة دفع مياهه قويّة جدًا لدرجة أنّها قسمت الوادي إلى قسمَين، ومنعت النّاس من عُبوره.
ولحلّ هذه المُشكلة، قرّر المعنيّون في السّنوات الماضية استغلالَ قوّة النّهر، فبَنوا سدًا هائلًا وأنشؤوا محطّة توليد طاقة كهرومائيّة.
وعلى مدى العقد الماضي، بدأ منسوب هذا النّهر بالانخفاض، فانكشف النّقاب تدريجيًّا عن وادي "ستولاجيل" الجميل!
انتَبه مُربّو الأغنام المحليّون لظهور الوادي، والتقط له أحد المُرشدين المحلّيّين صورًا نشرَها على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، ما أحدَث ضجّة كبيرة دفعَت بهذا الوادي إلى العالميّة السياحيّة!
كيف أصبح شكل النّهر إذًا؟
انخفضَ منسوب مياه النّهر وضعُفت قوّته بالطّبع، ولكنّ مظهره الخارجيّ أيضًا لحق به تغييرٌ إلى الأفضل.
في السّابق، استمدّ النهر مياهَه من الرّواسب الجليديّة، فكانَ لونُه بُنيًّا داكنًا غير جَذّاب، وكان يجرف أكثر من 100 طنّ من الرّمال والطّين والأوساخ.
أمّا بعد بناء السّد، تغيّر مصدر المياه في النّهر، فأصبَح يتغذّى من الينابيع الصّافية والأنهار الصّغيرة والجداول القريبة في المُرتفعات الجبليّة، وتحوّل لونه القاتم إلى لون فيروزيّ رائع ونابض بالحياة.
ولكن انتبهوا، يتجلّى لون الأزرق البلّورِي بوضوح في أوّل أيّام الصّيف، وقد يخفتُ جمالُه في خلال فصل الخريف ويعود إلى البنّي. سيبقى النّهر ساحرًا بالطّبع، ولكن انظروا لهذا الاختلاف بِعَين الاعتبار كي لا تُصابو بخيبة أملٍ ليسَت في الحُسبان.

جوهرة طبيعيّة مخفيّة
إضافة إلى النّهر الرّائع، يحملُ وادي "ستولاجيل" المزيد من العجائب والمشاهد الطّبيعيّة المُفاجئة.
أوّلًا، لا بُدّ من لفت النّظر إلى أنّ ما تحت النّهر يُعدّ عالمًا آخرًا من الجمال والسّحر الّذي لن تستطيعوا تصديق وجوده إلّا إذا زرتُموه.
ثانيًا، تبدو أعمدة البازلت المُغطّاة بالطّحالب كالعرش الأثريّ القديم، ويزيدها الشلّال المُتدفّق عليهَا هيبة وفخامة.
يشتهر هذا الوادي أيضًا بمزارع الأغنام، فلا تتفاجؤوا إذا صادفتُم قطيعًا ودودًا في أثناء التنزّه في الوادي.
إذًا، وادي "ستولاجيل" هو خليط من الحياة البرّيّة والطّبيعة البكر، وصُنع خلّاب للطّبيعة الأمّ يجب عليكُم زيارتُه!
سياحةٌ ونشاطات مُتنوّعة
إذا كُنتم مستعدّون لمُغامرة في أحضان الطّبيعة، توجّهوا إلى الجانب الشّرقيّ للوادي، وانطلقوا في رحلة مشي مسافتها 4 كيلومترات مُريحة للأعصاب بجانب الشّلال.
المسارُ سهل نسبيًّا، وهُناك الكثير من الأشياء الّتي يُمكن رؤيتِها على طول الطّريق وعند إلى جانب النّهر، كالشّلال والغطاء النّباتيّ والأعمدة البازلتيّة والطّيور الّتي تسبح على سطح مياه النّهر الصّافية.
تجذب هذه الرّحلة مُحبّي التنزّه والمُغامرين، إضافة إلى المُصوّريت الذين يرَون في كُلّ زاوية ومُنعطفٍ صورة فوتوغرافيّة.
وإذا لم ترغبوا في مُفارقة الوادي في اليوم نفسه، تستطيعون التّخييم بالقُرب منه، إذ تُوفّر بعض بيوت الضّيافة القريبة مواقع تخييم ومطعمًا ومرافق أخرى.

هل أقنعناكُم بزيارة الوادي؟
رُغم جماله المُذهل، لا يزال هذا المعلم السياحيّ مجهولًا لغالبيّة السُيّاح والمُغامرين بسبب صعوبة الوصول إليه وحداثة اكتشافِه. فإذا كُنتُم من المحظوظين الّذين سيزورونه، طالعوا هذه النّصائح:
- لا ننصحُكم أبدًا بزيارة الوادي في فصل الشّتاء، فحينَها يمتلئ الموقع بالثّلج والجليد ويستمرّ ضوء النّهار لأربع ساعات فقط.
- قد تكون صخور المسار رطبة وزلقة، فكونوا حَذِرين وتسلّقوا بعناية.
- إذا أتيتُم لالتقاطِ الصّور، ننصحُكم بالتّخييم في المكان والبدء بالتّصوير مع ساعات الصّباح الأولى لتحصلوا على إضاءة مُناسبة.
شكرًا لكُم على وقتكُم! هل استمعتم برحلتنا الافتراضيّة إلى جوهرة أيسلندا الخفيّة؟ لا تتردّدوا في مُشاركتنا الآراء الّتي تجولُ في خواطركُم.
شاركوا المقال
كيف وجدتم مقالنا؟